تمتد رحلة العمر و تنتهي وقد لا يصل الإنسان إلى إدراك الذات و لا تعرف النفس ماهيتها. و نتيجة ذلك بعد عن الطريق و تخبط يفقد الحياة هدوءها و سلامتها. إن عظمة الانسان لا يمكن أن يصنعها تقليد أو سير على درب العامة. لم يبني أرسطو نظرياته التربوية مقتبسا من غيره أو يتعلمها في أكاديميات عالمية. و لكن كانت خلاصة فكره هو، و لم تكن مدينة افلاطون الفاضلة نسخة من إبداع غيره. إن ادراك الذات يتحقق عندما تكون قادرا على التمييز بين الخير و الشر. و أن يسخرك الله لنشر المحبة و السلام و كل قيمة من شأنها إصلاح المجتمعات. إن الله لن يسمح بأن يحمل رسالته الأشرار و لا ينال من حكمته مرضى القلوب
منذ سنوات قرأت مقالة مطولة تحمل فكر عميق، يسعدني أن استعرضها و يشاركني فيها البعض. قد تشاركني بالتأييد أو الاختلاف. فإن كان تأييدا فلنتعاون في نشرها و إن كان اختلافا ، فأسعد بالتعليق بالأسفل
من أجمل ما قرأت مقالة للفيلسوف الأمريكي رالف إميرسون موسس حركة الفيلسوف المترفع في سنة ١٨٣٦ و التي واجهت انتقادات كبيرة في ذلك الوقت، نظرا لكونها فكر جديد ينتقد الجمود الذي خيم على هذه الحقلة من الزمن
كتب امرسون مقاله المطول سنة 1940 بعنوان “إدراك الذات” و من خلاله وضع الخطوط و الأسس لفلسفته. فالفيلسوف المترفع أو المتعالي هو ذاك الشخص الواعي الذي يشبه الوتد لا تحركه الأهواء و لا يسير بسياسة القطيع، يستمد معرفته من تحليلات نفسه و تأملات ذاته. هو شخص لا يسير في ركاب حزب و لا فكر مجتمع أو يحسب على طائفه. هو كيان بذاته يستنبط معرفته من فطرة و تأمل حيث أن رالف يعتقد أن المعرفة تنبع من الذات. كما أنني أعرج على كلامه بأن الحكمة لا تدرس بجامعات أو أكاديميات متخصصه و إنما هي هبة من الله يؤتيها من يشاء
يقسم امرسون الأفراد لقسمين: شخص ممتثل و هو الشخص الذي يتبنى أفكار غيره؛ دون التفكير في صحتها و قد يروج لإرهاصات و يتعصب لفريق دون أن يفكر في الحكمة من تعصبه. هذا النوع من الناس يفتقد الإبداع و لن يدرك ذاته مهما طال العمر و هو متوافق مع المجتمع و لا يخرج عن كونه متبع.
القسم الثاني و هو الشخص المتفرد و هو شخص مفكر و مبدع و غير متحيز. هذا الشخص يعتمد على ذاته و يرى في نفسه القدرة التي تغنيه عن الأخر. الحقيقة داخل نفسه و الصواب يمكن الوصول إليه بالتأمل و التعمق في حقيقة الأشياء
المعرفة الحقيقية عند امرسون موجودة داخل النفس، يمكن أن تتحقق بالتأمل. فالإنسان نفخة من ربه و الحكمة تأتي مع الخلوة و لذلك نجد ان أكثر المبدعين انطوائيون لأنهم بعيدين عن التشتت. هذا وقد استشهد امرسون في مقالته بالنبي محمد – صلى الله عليه و سلم – عندما كان دائم الذهاب إلى غار حراء حيث يختلي ويفكر في أحوال قومه و لا يقبل بمعتقد العامة
ما يقع على الأفراد يقع على الأمم: فهناك امة تعتمد على الآخرين و لا تستطيع أن تعتمد على نفسها. فهي لا أن تتحكم في قراراتها لأنها متداخله. و لأنها لم تستطع بناء نفسها من الداخل. و بالتالي هي تعاني كثير من المشكلات. و لذلك فهي تشجع كل ما من شأنه اثارة العامة و توجيه البسطاء. أما الصنف الثاني من الأمم هي التي تكتفي بنفسها و تفكر من داخلها و تجتهد كي تمتلك كل مقومات الحياة من غذاء و دواء و سلاح. أمه قادرة علي تحمل تبعات الحياة، قادرة على حل مشكلاتها دون الاعتماد على أحد. و لنا في تاريخ الشعوب عبرة
من هذا السرد نستخلص ان هذه الحركة تعلي من قيمة الفرد و تدافع عن حريته و استقلال رأيه و تشجعه على الأبداع، كما أنها تدعو الأمم أن تنال حظ وافر من الاستقلالية و الانخراط في صنع متطلباتها. دون الحاجة إلى طلب المساعدة من الآخر. خلق الله الانسان و أعطاه حرية الايمان و الكفر. لنا جوارح تحركها العقول . لنا قلوب من حقها الحب و الغض. ليس من حق أحد أن يرسم طريق أحد لأن الخالق اهدانا التفكر و التأمل الذي يقود إلي الحق المبين و الخير المطلق
و أخيرا، أقول أنني لا اتبنى فلسفة أو حركة، و لكن استعرضت قبس من فكر ليس بالضرورة نسير على منواله. لكن يمكن أن نبتكر الفكر و نصنع واقعنا الذي يناسب احوالنا و يتمشى مع إمكانياتنا